
ناصر أبوطاحون يكتب : سد النهضة و "البيعة السودة"

يضج سوق سد النهضة المنصوب فى بلادنا و على امتداد ساحة الوطن العربي بأصوات المنادين على بضاعاتهم، و كلٌ منهم يقاتل للفوز بأكبر عدد من الزبائن للبضاعة التي يروجها، و رغم أن أكثر من 99 % من الباعة لا يدركون عن ما يبيعون شيئا، إلا أن جزءا لابأس به منهم مُستأجر لترويج بضائع لصالح الغير لا يعلم ، أو يعلم فحوها، و لكنه غير مهتم، فقط هو يهتم بحصته أو عمولته على نجاحه فى ترويج البضاعة في ذلك السوق الذي يكثر زبائنه و قديما كنا نسمع مثلا عاميا يتحدث به الناس في بلادنا يقول " البيعة السودة خليها لأخر السوق" و المقصود بـ "البيعة السودة" هي البيعة بربح محدود أو بدون أو حتى البيع بالخسارة أو بالأجل أو ما شابه ذلك من بيع المضطر و المعنى هنا هو ألا تتعجل بيع بضاعتك فى بداية السوق بالخسارة أو حتى بربح محدود، و عليك أن تؤجل ذلك لأخر السوق و عند النهايات، فعندها لن يلومك احد طبقا لمعايير الاقتصاد، و ضغوط الحاجة و من ذلك أيضا المثل العربى "اخر الدواء الكي" فى إشارة لقسوته و شدته بما يجعله أخر الخيارات و لا ادري لماذا يصر البعض بحسن نية للحديث عن البيعة السودة فى موضوع سد النهضة الإثيوبي و هو المتعلق بالعمل العسكري أتفهم طبعا وجود قنوات معادية لمصر ،بحجة معارضة النظام ، تلح على هذا الأمر ليل نهار، لكن لا اتفهم ابتلاع الكثير من أهلنا لهذا الطعم و التفاعل معه لأننا امام مفاوض أثيوبي يجد صعوبة كبيرة فى مواجهة المفاوض المصري و السوداني في حضور شركاء و وسطاء يشاهدون مراوغاته و تهربه المستمر، و هو بحاجة ماسة لمن ينقذه من معركة المفاوضات، بالانتقال إلي الحديث عن الحرب إثيوبيا تريد أن تسحب مصر إلي ساحة التلويح بالحرب و التهديد بها علانية، لكي تخفف عن نفسها ضغوط المفاوضات ، ثم تستجمع بها شتات الشعب الإثيوبي الممزق عرقيا، لكي توحده فى مواجهة خطر الحرب المصري المزعوم، ثم تستخدم نفس الكارت فى تهييج بقية دول حوض النيل بشكل خاص و الدول الإفريقية بصفة عامة ضد مصر
البيعة السودة
و كما قلت أن العمل العسكري هو البيعة السودة التي لا يجب التعجل فيها أو حتى التعجل بالحديث فيها و عنها للكثير من الأسباب و التي سنحاول شرحها بالتفصيل لأنه لا يجب ، عقلا، ان نكون فى مساعي تفاوض وعروض تكامل و حديث عن التعاون فى مجالات التنمية و التعمير ثم نتكلم عن الحرب فمصر كانت و لازالت محرر حقيقي و داعم لكل دول القارة الإفريقية و لم تكن يوما ما دولة معتدية أو جائرة على حقوق غيرها و بالتالي محاولة نقلها إلى خانة الدولة المعتدية و التي تسعى لمنع اثيوبيا من حقها فى التنمية و غير ذلك من الدعاوى الكاذبة هي مؤامرة كبرى و بالتالي أى أحاديث مصرية الأن عن الحرب يجعل من عملية التفاوض عملية عبثية وهى العملية التى تجد إثيوبيا نفسها فى "مزنق" تحتاج لمن يخرجها منه و من المهم أيضا أن نتفهم، لماذا يلح المحور المعادي لمصر على دق طبول الحرب و إشعال النار، في مسعى دائم لتقديم خدمة لإثيوبيا فى ذلك التوقيت الصعب الذى تمر بهو تتفهم مصر دائما أنها دولة قائدة في القارة تسعى لوحدتها و تنميتها و تعميرها بشكل جاد و فعلي
كما تتفهم ان محاولات تقديمها كدولة معتدية فى ملف سد النهضة ، هو محاولة للإيقاع بينها و بين بقية دول القارة و بخاصة دول حوض النيل و هذا الأمر تتفهمه مصر جيدا، و تتفهم أكثر ان العمل العسكري هو "بيعة سودة" لا يجب التفكير فيها أصلا، و إذا فُرضت ستكون فى أخر السوق و من المهم هنا ان نشير إلى أن مصر ليست دولة تعيش بمفردها فى العالم و أن هناك محاذير كبيرة من أى عمل عسكري محتمل ، بما يستلزم الصبر و العمل بسياسة النفس الطويل فى موضوع المفاوضات و الحرب الدبلوماسية على مختلف الصعد الدولية و القارية و الاقليمية و لأننا لازالنا فى منتصف السوق فلا يجب ان نتعجل البيع، أو نلقي اهتماما لمن يضغط على اعصابنا لكي ننفذ رغباته و القفز الى عمل عسكري سيكون له نتائج خطيرة جدا كلامي لا أستبعد به أى خيارات، لكنى لا أريد أن أضع ضغطا على الحكومة المصرية أن تكشف أوراقها التفاوضية أو خطواتها المستقبلية، حتى لا نعطى للطرف الأخر ما يتمناه من طوق نجاة يخرجه من ساحة التفاوض التي يجد فيها صعوبات كبيرة لذلك يجب التركيز على خيار المفاوضات لأخر المطاف لأنه الخيار الأفضل الذي سنصل به إلى ما نريد، و غيره خيار غير مضمون النتائج و يترتب عليه نتائج قد يستحيل إصلاحها و لا يجب أن ننساق وراء محاولات الاستفزاز وراء كلمة هنا أو تصريح هناك، كما يجب الإنتباه إلى مسعى محور الشر القطري التركي الذي تعبر عنه قناة الجزيرة ليل نهار في إطار مسعاهم لخدمة إثيوبيا بجرنا إلى الحديث عن الحرب و العمل العسكري، و عدم الانجرار خلفهملحوظة:
هناك الكثير من الكلام الذي أمسكت عنه و عن التفصيل فيه لأن شرحه و الخوض فيه مما لا يفيدنا بل يفيد الطرف الأخر.. [caption id="attachment_31315" align="alignnone" width="570"]